محبّة السفراء والقناصل

معظم سفراء لبنان وقناصله العامين في أستراليا كانوا معجبين بأدب شربل بعيني، ولقد كرّمه كل واحد منهم على طريقته الخاصّة. منهم من خصّه بالجوائز كجان ألفا، ومنهم من خصّه برسائل الإطراء كسهيل فريجي وغبريال جعارة وجلبير عون والسفير ريمون حنينة، ومنهم من خصّه بالتكريم على مستوى الدول كالسفير لطيف أبو الحسن، وسآتي على ذكره لاحقاً. ومنهم من مدحه شعراً كقنصل لبنان العام في مالبورن الأستاذ مصطفى مصطفى.
وقبل أن أسجّل قصائد مصطفى لشربل، أحب أن أنشر مقاطع قليلة من رسائل السفير حنينة.
قال سعادته، في رسالة أرسلها لشربل بتاريخ 21 أيار 1982:
"إني أقرأ أشعارك باهتمام بالغ، وبتأثّر عميق. فشعرك يلامس الأعماق، ويظهر روحاً حساسة، وغربة مضنية".
وفي رسالة ثانية أرسلها له بتارخ 31 أيار 1985 قال:
"أشكرك من كل قلبي على مجموعتك الشعرية الرائعة، التي تنعشُ، في قلوب المغتربين اللبنانيين، حبّهم لوطن الأرز. فليوفقك اللـه ويرعَ خطواتك من أجل مصلحة لبنان".
كما أحب أن أطلعكم على رسالة وصلته من القنصل العام الاستاذ سهيل فريجي في الأول من كانون الأول 1976، يمدح بها ديوان مجانين، أول ديوان طبع في أستراليا وسجّل في المكتبة الوطنيّة في كانبرا، وفيها يقول:
" عزيزي الاستاذ شربل
تحية طيبة وبعد..
ما أن انتهيت من تصفّح مجانين، حتى أخذت القلـم لأهنّئك على هذا النتاج القيّم. فقد فتحت مأساة الوطن آفاقاً وتحسسات واسعة أمام المفكرين والادباء ليصوّروا انطباعاتهم وتوجيهاتهم. وإننا نحمد اللـه أن في لبنان من تفهّم جذور المشكلة وأبعادها، وهم اليوم جادّون في بناء مجتمع جديد خالٍ من أدران الماضي، فالأمل أن يوفّقوا في ذلك رحمة بالشهداء والأدباء".
كما أحب أن أنقل إليكم شكر القنصل اللبناني يوسف صيّاح لشربل بعيني في رسالة أرسلها له بتاريخ 18/8/1983:
"وشكراً لك ثانياً على عمل عظيم تؤديه من خلال رسالتك الشعريّة، فتعطي لبنان حكمة الجمال التي طالما عرف بها".
لقاء شربل بعيني بالقنصل الشاعر مصطفى مصطفى تـمّ في منزل الأديبة المعروفة نجاة فخري مرسي، زوجة الدكتور أنيس مرسي، وقد مدح القنصل مصطفى الشاعر بعيني بهذه الرباعية الزجلية بعد سماعه له وهو يلقي قصيدة "لعنة اللـه علينا":
سمعت شعرك.. قلت: يا عيني
متل الورد مزروع بجنينه
مأكّد كلامك مستواه كبير
ما دام إسمك شربل بعيني
كما أضع بين أيديكم بعض قصائده المنشورة وغير المنشورة. ولنبدأ بالمداعبة الشهيرة التي حصلت بينهما، والقصّة بدأت حين أرسل القنصل مصطفى رسالة تهنئة للشاعر بعيني على أحد كتبه، وإليكم ما كتب:
أربع مرّات كتابك
قريتو قدّام صحابك
واحد قلّي شو صابك
الشعر وضعتو بمحرابك؟
فيي أعرف شو انتابك؟
ردّيت ولشربل قلت:
يرحم بطن اللي جابك..
وبما أن والدة شربل بعيني، رحمها اللـه، كانت حيّة ترزق يومذاك، فلقد أخذت على خاطرها وصاحت:
ـ الظّاهر معجّل عليّ صاحبك.
فكتب شربل مقالاً فكاهيّاً حول ذلك، نشرته النهار في عددها السنوي الصادر بتاريخ 18/12/1986، ختمه بهذه الردّة الزجليّة:
يا أمي القنصل مهضوم
وما بيحكي غير المعلوم
الظاهر عارف "بطنك" مات
من وقت الـ مات المرحوم
فأعجب القنصل مصطفى بالمقال، وأرسل له هذه الأبيات:
كلمه بدّي ودّيها
وعبّر عن حبّي فيها
انشاللـه إيّامك كلاّ
بالأعياد بتقضيها
أما بخصوص المرحوم
الدنيا تشتيلو رحمات
انشاللـه محبّتنا بتدوم
وما بتلبّدها غيمات
وقول لإمّك: هالمتهوم
ما قصدو يعيد منامات
أللـه يقبل منها الصوم
بتطهّر كل النسمات
كل واحد عمرو محتوم
بس اللي خلّف ما مات!!
وصدقوني ان القنصل مصطفى لـم ينشر قصيدة واحدة في صحف المهجر إلا إذا كانت عن شربل، لهذا تعجّب العديد من القرّاء حين وجدوا أن دبلوماسيّا لبنانيّاً ينظم القرّادي، فكتب الشاعر نديم سابا في جريدة النهار، الصادرة بتاريخ 15/1/1987، ما يلي:
قلت لنفسي مش معقول
القنصل ينظم قرّادي
ويعرّفنا ع المجهول
ويصفّي بلبل شادي
بحقّو مقصّر مهما قول
بيذكّرني قنصلنا
بنغمة شحرور الوادي
وحين أصدر شاعرنا ديوانه كيف أينعت السنابل؟، كان للقنصل مصطفى هذه الوقفة الشعريّة:
رح أكتب حتى هنّيك
وأطلبلك من أللـه العون
كان فكري بسيدني لاقيك
ونتعرّف ع ذات الصّون
وبدعي تا أللـه يقوّيك
تا تحكُم إنت بهالكون
ويا شربل أللـه يهديك
كيف ممكن يحصلّي الْمَونْ
ليش نحنا منحكم هونيك
حتى نقدر نحكم هون؟!
وقد اعترف القنصل مصطفى بأن الكلمات تنساب شعراً دونما إجهاد عندما يكتب عن شربل:
"إنما طلبت مني كلماتي أن تبقى لك، وأصرّت عليّ بأن تبقى في خزانتك، ولا ترغب في أن تصل إلى الصحافة، فوافقتها على ذلك، ولا إخالك إنّك تستطيع بدورك أن ترفض رغبتها هذه"..
وأعتذر من القنصل مصطفى على نشري قصائد استودعها خزانة شربل، لأن من حقّ القارىء الإطلاع على تاريخ الجالية المشرق، وهل أشرف من تلك الحقبة التي وحّدت اللبنانيين في المهجر، رغم أن وطنهم يعاني الأمريّن من جراء الحرب الشرسة التي اجتاحته وقضت على الأخضر واليابس فيه. وإليكم ما كتب إثر عودة شربل عام 1987 من مهرجان المربد الشعري في العراق:
وحياة شربل والـ بقلبي جسّدك
ما نسيت إحكي شعر حتّى عيّدك
كرت الـ كتبتو كان شعر يعدّدك
ما ردت مع غيري كلام نرددك
وحتى ما غيّرلك عوايد عوّدك
بشعري ما برضى اليوم عنها إبعدك
لو كان عنا جناح كنا منقصدك
للتوّ.. تا نضوّي الشموع بمعبدك
معبد جمال القول فوقو مدّدك
ما وصّلك تا تنتهي بل جدّدك
أعطاك نفحة شعر عزّز مقعدك
فيها سبرت غْوار كون الـ أوجدك
ناطر تا إسمع شو لقيت بهالسفر
وشو جاب من أمجاد.. كرسي مربدك
وكان كلّما أطلّ العيد يتذكّر قنصلنا الإنسان أخاه شربل بأبيات ولا ألطف:
بيتذكر بيوم العيد
كل واحد.. خيّو الأنسان
ولما بيقرب عام جديد
منوعى من بعد النسيان
القصّه بكل دقّه وتحديد
تصوّر شي واحد عطشان
وصرلو فتره يمد الإيد
ويطلب عون من الإخوان
بقلب الصحرا.. وحر شْديد
منشّف جسمو بكل مْكان
وإلاّ.. تزاولّو من بعيد
نبعة مي وكوز رمّان
طار من الفرحه الصنديد
وبلّش غبّ بلا حسبان
وهيك الحاله.. بلا تمجيد
منبعد عن أحلى خلاّن
حتى نرجع بالتأكيد
نغرف من نبعة شربل
أطيب نبعه من لبنان.
ولكثرة محبّته لشربل، نراه لا يترك مناسبة إلا ويراسل بها صديقه، وها هو يرسل له هذه البطاقة من البرازيل، بعد انتقاله من مالبورن ـ أستراليا:
"الأخ شربل..
حتى في البرازيل، وفي مدينة الريو لا يمكن ان ننسى من أحبنا. فمن هذه المدينة الجميلة أبعث بهذه البطاقة، سائلاً اللـه أن تحمل الأعياد المجيدة لك كل خير وصحة وتوفيق مع الأمل بسماع أخباركم الطيّبة".
وعندما زار فرنسا وإيطاليا، لـم يترك المناسبة تمرّ دون أن يرسل لشربل بطاقة أخرى يقول فيها:
"عزيزي شربل..
أنتهز مناسبة وجودي في فرنسا مع العائلة، وفرصة مروري بمدينة ميلانو التاريخيّة في إيطاليا، لأبعث لك بهذه البطاقة الشهيرة، لا لأتذكّرك، فإن ذكرك دائـم في القلب، بل لأهمس لحن الإشتياق في مسمع من هو الأقرب إلى الفكر والأعماق، لأعبّر عن عظيم اعتزازي بالتعرّف إلى إنسان كان نعم الأخ ونعم الصديق.
بوركت فيك علياء الخصال، وأدام اللـه عليك نعمة صوابية الرؤيا، وحماك من جهالة أدعياء حملة الأقلام".
وأعتقد أن قنصلنا اعتبر بطاقته شهيرة لأنها تمثّل لوحة العشاء السرّي الأخير للسيد المسيح مع تلامذته، والتي رسمها ليوناردو دافينتشي. أمّا عبارته الأخيرة التي يطلب بها من اللـه أن يحمي شربل بعيني من جهالة أدعياء حملة الأقلام.. فأترك تفسيرها لكم..
**