جوائز تقديرية

عام 1987، منحت رابطة إحياء التراث العربي جائزة جبران العالميّة للشاعر شربل بعيني، وكان من أوائل الذين فازوا بها.. وها أنا أنقل من أرشيفه قصّة فوزه بالجائزة، كما دوّنها بقلمه:
"سنة 1985، كنت أطبع ديوان الغربة الطويلة في مطبعة الثقافة التي يملكها كامل المر، فدار بيني وبينه حديث غلّفه بخيبة أمله بمعظم الذين تعامل معهم في الرابطة، وأنهم لا يصلحون لشيء، وأن الرابطة تراوح مكانها، فقلت له:
ـ لماذا، يا كامل، لا تنشىء الرابطة جائزة أدبيّة تحمل اسمها إلى كافّة أقطار العالـم؟ 
فأجاب:
ـ قديماً أجرينا مباراة باسم "جبران"، كانت جائزتها من نصيب السيّدة وداد الياس والأستاذ إيلي ناصيف.
فقلت:
ـ عظيم.. فليكن اسم الجائزة "جائزة جبران".
قال:
ـ وكيف سيتمّ هذا؟
قلت:
ـ أنا أصمّم البراءة وأنت تطبعها.. ويقوم صبري رمضان بتصميم الميداليّة.
وهكذا صار، ولكن المفاجأة الكبرى كانت عندما منحتني الرابطة الجائزة، ولـم أكن قد انتسبت إليها بعد. فقلت لكامل، واللـه يشهد على ذلك:
ـ يا كامل.. أنا لـم أصمّم الجائزة، ولـم أطلب منك إنشاءها كي أحصل عليها.
فقال:
ـ لا أحد غيرك يستأهلها.. أرجوك أن لا تفتعل خضّات في بداية توزيع جائزة أنت تعبت وسهرت من أجلها.
وبعد عودتي من المربد الشعري في بغداد، علّقت الرابطة أوّل جائزة جبرانيّة على صدري.."
كما أترككم مع ما كتبه الصحفي الأديب جوزاف بو ملحم في التاسع من شباط 1988 في جريدة صدى لبنان، عن الذي كل "البروجكتورات" مسلطة عليه:
"يوم باشرت صدى لبنان نشر أضواء على الحائزين على جائزة جبران، كان قصدنا تعريف القرّاء على أدب الذين استحقّوا الجائزة من الرابطة، ومعرفة لماذا استحقّوها؟.. وطالما أن الأديبة أنجال عون والأديب نعمان حرب شبه مغمورين لدى الأكثريّة، قرّرنا أن ندعو الزاوية "أضواء" أملاً بتسليط الضوء على ما عتم..
وإذا كان الزميل كامل المر قد وجد المهمّة شاقّة بعض الشيء، كون الدكتورة سمر العطّار معروفة جدّاً في أوساط الجالية من خلال كتاباتها ونشاطاتها، أراني اليوم محرجاً في مهمّتي المستحيلة. وكيف لي أن أسلّط الضوء على من كل "البروجكتورات" عليه؟! ثـم إن أنا فعلت هكذا ألا أكون أردّد ما سبق لغيري أن قاله، فأقع في الرتابة وأستحق لعنة القرّاء.. ولكن..
لقد وجدت الخلاص في ديوان شربل أللـه ونقطة زيت، الذي سيصدر حديثاً باللغة العاميّة، فتمسكّت باللـه خوفاً من الزحلقة على الزيت.. وأرجو المعذرة إن أنا كتبت بالعاميّة، فهي في الواقع لغة الديوان..".
عام 1990، منحت جمعيّة الفنون والتراث العربي في العاصمة الأسترالية كانبرا "جائزة كتابة الأغنيّة" للشاعر شربل بعيني. كونه كتب العشرات من الأغنيات المهجريّة الرائعة التي غنّاها فنانون مهجريون كشربل صعب، وريما الياس، وهند جبران، ووفاء صدقي، وسمير بدر وغيرهم.
قدّم الجائزة للشاعر بعيني الأديب المهجري المرحوم مصطفى البدوي، بعد أن ألقى هذه الكلمة المعبّرة:
" سيّدي الأستاذ شربل
كلّفت أن أقدّم إليك هذه الهديّة المتواضعة تقديراً لما لك من عطاءات أدبيّة في حقلي النظم والنثر. ولو كلّفت أن أهدي إليك عنقي لأزجيته إليك معقوداً بصكّ الإسترقاق. فأنت فينا من كبار المجلين والمبدعين، وللمجلّي حقّ على الآخرين في استرقاق القلوب منهم والعواطف.
فإليك يا من رفعت للوطن الحبيب مداميك من مجد وفخار.. إليك يا من تذلّ الكلمة وفق مشيئتك، وتقدّمها لقرائك بجزالة يغبطك عليها أمراء البيان والقريض.
إليك أقدّم هذه الهديّة المتواضعة مع عميق حبّي، وخالص تقديري، وفائق احترامي".
وفي العام 1992، منح مختار بلدة مجدليّا السيّد الياس ناصيف أبي خطّار درع البلدة لابنها البار شربل بعيني، وقد سلّمه الدرع إبن المختار السيّد ناصيف أبي خطّار في إحدى زياراته لمدينة سيدني.
وكان المختار السابق للبلدة السيّد الياس أبي خطّار قد زار أستراليا، وشارك بيوم الأديب السوري الكبير محمد زهير الباشا، على دراسته الشهيرة شربل بعيني ملاّح يبحث عن اللـه. وقد ألقى خطاباً رائعاً في المناسبة، ضمّنه مفاجأة حلوة، ألا وهي وضع اليد العامّة على البيت الذي ولد فيه شربل بعيني ليتحوّل فيما بعد إلى متحف يضمّ نتاج شربل وباقي شعراء وأدباء المهجر.
وعندما عاد شاعرنا إلى وطنه الأم لبنان، كرّمه السيّدة الياس ناصيف خطّار وعائلته تكريماً مجدلاويّاً رائعاً، فجمع حوله رئيس البلديّة، والمختار، والكهنة، والأدباء، والشعراء، وفعاليّات البلدة، والعديد من أقرباء الشاعر الذين لـم يرَهـم منذ هجرته عام 1971. وقد نقلت صحفنا المهجريّة الخبر باهتمامٍ بالغ، وأفردت له الصفحات الكاملة. وها أنا أثبت للذكرى ما كتبته جريدة المستقبل في عددها 48 الصادر في 9 شباط 2002:
"عندما وصل الشاعر المهجري شربل بعيني إلى دار مختار مجدليّا السابق السيّد الياس ناصيف أبي خطّار، لـم يكن يعلم أن الدار تغصّ بالمدعوّين من أبناء قريته، وأن المختار وعائلته قد أعدوا مفاجأة حلوة له ولزوجته ليلى، بغية تكريمه في مسقط رأسه مجدليا.
فلقد أبى المختار إلاّ أن يفتح داره الرحبة العامرة لتكريم الشاعر المجدلاوي العائد إلى وطنه، فأولـم على شرفه، وأشرقت الكلمات والقصائد.
والمختار أبي خطّار عرفته الجالية العربيّة في أستراليا من خلال مشاركته في مناسبتين أدبيتين، ألا وهما: يوم محمد زهير الباشا عام 1989، وتكريم شربل بعيني عام 2001، من قبل رابطة الجمعيّات اللبنانيّة في السانت جورج.
التكريم كان مفاجأة لشاعرنا المهجري، إذ أنه دُعي وزوجته لمشاركة الياس وفروسين وناصيف أبي خطّار طعام الغداء دون أن يعلموهما بما خبّأوه لهما، وعندما وصلا إلى مكان الدعوة بصحبة الأستاذ بدوي سمعان، وجدا العشرات من أبناء مجدليّا بانتظارهما، فصاح شربل بصوت عالٍ: ماذا فعلت يا مختار.. إنه أجمل يوم في حياتي؟.
كل شيء أعدّ بإتقان، إن كان من ناحية التوقيت.. فالمناسبة أقيمت في العشرين من شهر كانون الثاني عام 2002، أي قبيل رجوع الشاعر بعيني إلى مغتربه بعدّة أيّام فقط. أو من ناحية التخطيط، إذ أنها جاءت غاية في الروعة والسخاء.. وهل عرف بيت الياس وفروسين أبي خطّار غير السخاء؟. أو من ناحية المدعوين، فلقد ازدانت بهم الدار العامرة واشرأبت.
وحيد الدار ناصيف، كان مثل أم العروس، يرحب بهذا ويجلس ذاك، والفرحة تغمر كيانه. كيف لا، وهو يستقبل في بيته جاراً عزيزاً، ورفيق طفولة. إنه اليوم الذي انتظره بفارغ صبر، ليقول لابن قريته شربل: أهلاً وسهلاً بك في بيتك مع أميرتك ليلى. كما أنه عرف كيف يدير المناسبة الحاشدة، فطلب من كل عائلة أن تأخذ صورة تذكارية مع شربل وليلى، قبيل التوجّه إلى طاولات الطعام، فكانت الوجوه تشرق تحت أشعّة آلات التصوير، وابتسامات الفرح تتطاير في أرجاء القرية الآمنة المضيافة.. وصوت السيّدة فروسين يدغدغ الأسماع: تفضّلوا الأكل جاهز.
ولكي لا تمرّ المناسبة بدون كلام، وقف سيّد الدار الياس أبي خطار، وقال:
"يسرّني، باسمي وباسم زوجتي فروسين وابني ناصيف وجميع أفراد عائلتي، وباسم كل فرد منكم يا أبناء مجدليّا الكرام، أن أرحّب بأمير الأدباء والشعراء في عالـم الإنتشار اللبناني، إبن مجدليّا البار شربل بعيني وزوجته الأميرة ليلى، اللذين يزوران لبنان زيارة خاطفة، رفضنا أن تمر دون أن نجمعه بكم، أنتم الذين عرفتموه طفلاً وشاباً قبل سفره إلى أستراليا.
لقد كرّمت الجاليات اللبنانية والعربية في أستراليا إبننا شربل عدّة مرّات، وكان من حسن حظّي أن أكون في أستراليا لأشارك في مناسبتين عزيزتين على قلبي، الأولى: يوم محمد زهير الباشا عام 1989، وبه أعلنت عن عزمنا بتحويل البيت الذي ولد فيه شربل إلى متحف. والثانية: تكريم شربل من قبل رابطة الجمعيّات اللبنانيّة في السانت جورج عام 2001، بمناسبة فوزه بلقب أمير الأدباء والشعراء اللبنانيين، من قبل المجلس القاري للجامعة اللبنانية الثقافية في العالـم، قارة أميركا الشمالية، الذي يرأسه الدكتور جوزيف حايك، حماه اللـه وسدّد خطاه بغية رفع شأن أبنائنا المغتربين في العالـم.
مجدليّا تفتخر بأبنائها أينما كانوا.. فلقد رفعوا رأسها عالياً في كافة المجالات الأدبيّة والعلميّة والإجتماعيّة، وخير دليل على ذلك تتويج إبنها البار شربل على عرش إمارة الشعر والأدب في عالـم الإنتشار مدى الحياة، فأهلاً وسهلاً به أميراً متوجاً في قلوبنا، وأهلاً وسهلاً بأميرتنا ليلى، وبكل فرد منكم.. وشكراً".
بعده، ألقى الأستاذ بدوي سمعان، صاحب النظريات الإقتصادية والمؤلّفات العديدة عن كيفيّة تطوير الإقتصاد اللبناني ورفعه إلى أعلى مستوى، قصيدة رائعة جاء فيها:
بالمجدِ كُلّلتَ أم بالغارِ يا شربلُ
ليلى الأميرةُ حسنٌ زانه خجلُ
رمتَ المناهلَ في الدنيا فكان لكَ
أدبٌ وشعرٌ صرحٌ راسخٌ جبلُ
عشقتَ الخليقَة من نوح إلى "كوكٍ”
ليلى وشربل نجمٌ ساطعٌ زُحلُ
طاف اليمام على دوحٍ مجلَّلةٍ
عزٌ وفخرٌ وحبٌ رائعٌ جللُ
ضاء سماء الشرقِ يومَ ولدت بهِ
وأشرقتْ أستراليا يومَ الأحبة رحلوا
لا تحسبنَّ الأرز خابَ فأله
طيفُ الأميرة شهبٌ لامعٌ وجلُ
ملاعبُ مجدليّا تذكر طفولتكم
وطلاّب موئلكم من علمكم نهلوا
بيت الرعيّة مضيافٌ لكوكبةٍ
دينٌ ودنيا وعلمٌ خير من عملوا
للشرق والغرب درّة وسط لبنان
مرتكزٌ للسلم.. منطلقٌ بالحب يشتعلُ
باللـه يا ابن الأرز سطّر في مجلّتكم
القدس لؤلؤةٌ.. مَن قالَ: مُعتقلُ
بيروت شامخة في مجدها أبداً
رمز الحضارة.. أعداؤها ذهلوا
أيا أميرة.. لبنان الغد بلدٌ
يهوى نسائمَك.. والحسنُ والخجلُ
أمّا الشاعر شربل بعيني، الذي فاجأه التكريم المجدلاوي، فلقد شكر أصحاب الدعوة، وارتجل هذه الأبيات:
يا مجدليّا.. بحبِّك عْبادِه
رغم الضّياع بغربة المجهول
يا أم.. مجدِكْ طافح زْيادِه
إسمِكْ علمْ.. بالعاطفِه مغزولْ
المجدلاوي بينعطى شْهاده
إنسان مخلص بالتقى مجبولْ
بالمُغترب: بيشرّف بلادي
وبالوطن: قيمِه.. وحكي معسول
رايق كتير.. مهذّب وهادي
بمحبّتو.. رَسْمَلْ عْيَالْ كْتِيرْ
وْبِيطلّتو.. عم تندوَخْ الِعقولْ
الياس وفروسين وناصيف أبي خطّار عرفوا كيف يرحبّون بجارهم، بصديقهم، بابن بلدتهم شربل بعيني. وأثبتوا للجميع أن الأنبياء يكرّمون في بلدانهم، وأن مجدليا الأم لـم تنسَ، ولن تنسى أبناءها المغتربين مهما تكسّرت الأيّام، وبعدت المسافات".
وفي عام 1992، حمل المغترب المجدلاوي طوني أنيسة درعاً آخر من مغتربي بلدة مجدليا في كندا، قدّمه للشاعر شربل بعيني.
عام 1993، وبمناسبة صدور ديوانه قرف، قدّمت جمعيّة بنت جبيل الخيريّة ـ سيدني "درع المركب الفينيقي" للشاعر شربل بعيني، وقد سلّمه الدرع رئيس الجمعيّة يومذاك الدكتور قاسم مصطفى. وأذكر أنني كتبت ونشرت خبر تسليم الجائزة في جريدة البيرق الصادرة بتاريخ 31 تموز 1993، وإليكم ما كتبت:
"أبناء بنت جبيل، البلدة الجنوبيّة الصّامدة، أمّوا دار الشاعر شربل بعيني، مساء السبت الماضي، لتقديم الشكر له على قصيدته الخالدة قرف. وكم كانت فرحتهم عظيمة عندما وجدوا في استقبالهم نخبة من كبار أدباء وشعراء ومثقفي المهجر الأسترالي الأحرار.
تـمّ التعارف بين الجميع، وساد اللقاء جو مفعم بالود والمحبّة، كأنهم أصدقاء قدامى، ومن ثـمّ وقف الدكتور قاسم مصطفى رئيس جمعية أبناء بنت جبيل، وطلب من الحضور المعذرة، ليقدم لحبيب الشعب الشاعر المجدلاوي شربل بعيني لوحة نحاسيّة تمثّل "المركب الفينيقي" الذي حمل الحرف والحضارة إلى العالـم أجمع.
وفي كلمته المختصرة قال الدكتور مصطفى إن قصيدة "قرف" إكليل غار يتوّج رؤوس أبناء بنت جبيل المقيمين والمغتربين.
كما قال الدكتور علي بزّي: إن أبناء بنت جبيل باتوا يرددون قصيدة "قرف" عن ظهر قلب، لأنها تعبّر عن واقعهم المرير.
أما الدكتور خليل مصطفى، فقد سمّى هذا الزمن بزمن "القرف" نسبة إلى القصيدة الإنسانيّة الرائعة.
كما قدّم السيد صعب سبحة عاجيّة للشاعر شربل بعيني صنعت في بنت جبيل. وجرت في اللقاء مداخلات سياسيّة وأدبية كثيرة، بين الشاعر نعيم خوري وأبي طارق وإيلي ناصيف ونجوى عاصي من جهة، والدكتور قاسم وخليل مصطفى وكامل المر ورفيق غنّوم من جهة ثانية، أجمعوا فيها على أن الشعب العربي يعيش حالة من "القرف" قد توصله إلى مرحلة الإحباط اليائس، لولا يقظة الشرفاء والأدباء والمفكرين الذين ينادون بالتمرّد والثورة لتغيير واقعنا المقرف.
بادرة بنت جبيل تجاه شربل بعيني، جاءت عربون وفاء للكلمة الحرّة الهادفة، التي تذكي فينا شعلة الثورة والانتفاضة لبناء غد مشرق وضّاء".
وفي العام 1994، منحته مدرسة الشرق الأوسط، التي كان يرأسها الأستاذ المرحوم داود أبي إسبر، "جائزة التقدير الأولى للأدب المهجري"، بحضور العديد من الرسميين الأستراليين واللبنانيين، وأصحاب الكلمة المسؤولة في عالـم الإغتراب، كالشاعر المرحوم نعيم خوري، والأستاذ الجامعي عصمت الأيّوبي وغيرهما. وإليكم بعض ما جاء في جريدة صوت الجالية ـ 1994 حول الجائزة:
"أقيم يوم الأحد الماضي، الواقع في 11/12/1994، مهرجان أدبي كبير تخليداً لمئويّة المرحوم جرجي سليم أبي إسبر، بحضور حشد كبير من الجالية الشرق أوسطيّة، يقدّر عددهم بخمسمئة شخص، تحت رعاية وزير الضمان الإجتماعي السيد بيتر بيدوني، والنائبين لوري فرغسون وكيم يودن، وممثل Board of Study السيّد غراهام سميث، وممثلين عن دوائر الهجرة، والسيّدة ماري رايكا مسؤولة المدارس الإثنية والإسكان، ورؤساء بلديّات، ومدراء مدارس أسترالية، وشعراء، وفنانون، وفاعليات الجالية، وأهالي الطلاب. وأقيم الإحتفال في باحة المدرسة وفي الهواء الطلق".
وبعد أن يعدد المقال أسماء الذين تكلّموا في المهرجان، يوصلنا إلي بيت القصيد:
"ثـم اعتلى المنبر شربل بعيني، فألقى قصيدة عصماء، وهنا ألقي قرار المجلس الذي تضمّن إعطاء "جائزة التقدير الأولى للأدب المهجري" للشاعر شربل بعيني".
أما باقي الجوائز فسأعددها عندما أتكلّم عن المناسبة التي قدّمت بها، كي يأتي الشرح وافياً ووثائقيّاً أكثر.
وبعد كل هذا، أحبّ أن أسأل جميع الذين منحوا شربل بعيني جوائزهم، إذا كان شربل قد سعى، من بعيد أو قريب، للحصول عليها؟
أنا أعرف شربل بعيني جيّداً، وقد لمست عزّة نفسه وكبرياءه يوم كنت رئيساً لتحرير جريدة صوت المغترب.. إذ أنه لـم يدخل مكتب الجريدة ولا مرة واحدة، رغم السنوات التي قضيتها فيها، والصداقة التي ربطتني به.. كما أنه لـم يطلب منّي أيّ خدمة إعلاميّة مهما كانت بسيطة. وها أنا أسأل جميع رؤساء تحرير الصحف المهجريّة إذا كان شربل بعيني قد دخل مكاتب صحفهم، أو سألهم عن أي خدمة، إن كان حبّاً بالشهرة أو لإبراز قصائده أو مقالاته.. أو في أقل الأحوال، لمراجعتها؟. وأجزم أن أجوبتهم ستكون كأجوبة الذين منحوه جوائزهم: لا.. وألف لا.
عام 1993، أجرت جريدة العالـم العربي استفتاء لاختيار أبرز المؤسسات والجمعيّات والأشخاص المتفوقين والناجحين في الجاليات العربيّة. وفي الحادي عشر من شباط سنة 1994، نشرت الجريدة نتائج استفتائها، فكان أبرز شاعر اختاره قراؤها في العام 1993، هو شاعرنا شربل بعيني. وأعتقد أنه الأبرز في كل عام. وخير دليل على ذلك مقالان كتبهما الصديق محمد العمري في جريدة صوت المغترب سنة 1985. الأول يطلب فيه من الشاعر شربل بعيني الإعتذار على ذلّة لسانه في قصيدة مجانين، فيقول:
"خطأ غير مقصود وقع به الأستاذ شربل بعيني، وأتوقّع أن يعتذر الأستاذ عن ذلّة اللسان هذه، حيث أن ردود الفعل على ما ورد في خزانة الشاعر الشعبي شربل، فقرة 3 من العمود الثاني، تمثّلت بالمكالمات الهاتفيّة والمداولات الجانبيّة بين صفوف البعض ممن يحرصون على قراءة صوت المغترب من صفحة (1) لصفحة (16).
والذين انتقدوا بعض ما ورد في قصيدة الاستاذ شربل بعنوان "مجانين"، كانوا على حق لأنهم يملكون معنا الحجّة والبرهان على خطإه العفوي، وهذه هي المرّة الأولى التي لـم يسعفنا الحظّ ونراجع فيها كلمته قبل أن تأخذ طريقها إلى النشر، حيث أن الشاعر بعيني لـم يسجّل في تاريخ كتاباته على صفحات صوت المغترب أية مغالطة من هذا القبيل.
ونشكر الأخوة الغيورين الكثر الذين لفتوا انتباهنا إلى ذلك، ونعدهم خيراً في المرّات القادمة، لأنهم يريدون أن يخطوا بجريدتهم المفضّلة نحو الأفضل والأحسن".
هذا المقال نشر في 7 شباط 1985، وفيه يحتجّ الصديق العمري على هذه الأبيات التي وردت في قصيدة "مجانين" لشربل بعيني، والتي يثور بها شربل على زهق أرواح الناس الأبرياء في وطنه الحبيب لبنان، لا لشيء، سوى لانتمائهم لطوائف دينية مختلفة:
يا يسوع المصلوب
ويا رسول المؤمنين
ما عرفتوا ربّيتوا شعوب
عرفتوا ربّيتوا مجانين..
ولكي تعرفوا ردّة الفعل الشعبيّة العارمة على المقال، وكيف التهبت خطوط الهاتف طوال الأسبوع دعماً للشاعر شربل بعيني، أنشر المقال الثاني الذي صدر بعد أسبوع فقط من نشر المقال الأول، أي بتاريخ 14 شباط 1985، وعنوانه "هل أصبح شربل بعيني يمثّل تيّاراً أدبيّاً في المهجر؟":
"تلقّت صوت المغترب طيلة الأسبوع الماضي العشرات من المكالمات الهاتفيّة ورسائل التأييد لما جاء في زاوية الشاعر شربل بعيني حول قصيدة "مجانين"، كلها تظهر مدى التأييد الذي يتمتّع به الشاعر الشعبي شربل بعيني..
وصوت المغترب، التي تفخر وتعتز بكتّابها وقرّائها ونقّادها، تعتبر صفحات الجريدة هي ملك لهم لما فيه مصلحتهم ومصلحة الوطن.
فشربل بعيني لـم يعد شاعراً فحسب، بل أصبح يمثّل تيّاراً من المعجبين بشعره وأدبه. فالمكالمات الهاتفيّة والرسائل التي تلقّتها صوت المغترب بخصوص زاوية شربل وقصيدته "مجانين" تؤكد جميعها على تقدير الأستاذ شربل، واحترام شعره، ودعم زاويته، وهذا فخر لنا.
ولكثرة الردود التي تلقّتها الجريدة من مؤيدي الأستاذ بعيني، فإننا نعتذر عن نشرها جميعاً، ونكتفي بنشر هذا القدر من الرسائل التي إن دلّت على شيء، فإنما تدل على مدى التأييد الشعبي الذي يتمتّع به الشاعر الشعبي وزاويته "من خزانة شربل بعيني".
وبالطبع، فالشاعر شربل بعيني لـم يعتذر على أبياته الرائعة المعبّرة تلك، كما أن رسائل القرّاء التي نشرتها صوت المغترب تحت المقال السابق، كانت كلّها تطالبه بعدم الإعتذار.
**